أزمة أوكرانيا تضع الغاز الليبي في قلب معادلة الطاقة دوليا
أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا عن تعليق إنتاج النفط في حقلين رئيسيين ما أدى إلى انخفاض الإنتاج. بينما ارتفعت أسعار المحروقات بأكثر من 41 في المائة بسبب الحرب الدائرة في أوكرانيا، وبات العديد من المراقبين يرجحون أن تلعب ليبيا دورا هاما في سد النقص الحاصل في الإمدادات من المحروقات بالنسبة للعديد من الدول، منها الأوروبية خاصة.
ويؤكد مراقبون أن مصادر الطاقة الليبية باتت في قلب معادلة آثار الحرب الدائرة في أوكرانيا على موارد الطاقة في العديد من بلدان العالم، وأساسا البلدان الأوروبية التي تعتمد بشكل كبير على الغاز الروسي. وقد استبقت العديد من الشركات الدولية الحرب في أوكرانيا بإجراء مفاوضات مع المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا لدراسة إمكانيات الرفع من الإمدادات الليبية من الغاز في اتجاه الدول الأوروبية.
توقف الإنتاج في حقلين وخسائر فادحة
تمتلك ليبيا أكبر احتياطي نفط في القارة الإفريقية وتحتل المرتبة 21 عالميا من حيث احتياطي الغاز، والتي تصل إلى 54.6 تريليون قدما مكعبا. وتعد ليبيا أحد المزودين الرئيسيين لأوروبا بالغاز بعد روسيا والنرويج والجزائر، لكن الوضع غير المستقر الذي تعيشه البلاد، جعلها غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها ورهن إمكانيات الاعتماد على مصادرها للطاقة، بالحدة التي يشهدها النزاع. فعملية توقيف إنتاج النفط في عدد من الحقول تتكرر باستمرار، ما يؤثر على الإنتاج وعلى الالتزامات القائمة في هذا الإطار مع شركاء دوليين.
فعلى غرار العديد من المرات السابقة، توقف إنتاج النفط في الحقلين الرئيسيين في البلاد، بعد إقدام مجموعة مسلحة “على إغلاق صمامات ضخ الخام” في موقعي الشرارة والفيل، مما أجبر المؤسسة على “إعلان حالة القوة القاهرة”، وهو إجراء يحول دون تحميل الشركة مسؤولية عدم التزامها بتنفيذ عقود التسليم. وحسب تقديرات المؤسسة الوطنية للنفط، فقد تسببت عملية إغلاق صمامات ضخ الخام من الحقلين، في فقدان 330 ألف برميل في اليوم وخسارة يومية تتجاوز 160 مليون دينار ليبي (حوالي 32 مليون يورو)”.
ويعد حقل الشرارة الواقع في أوباري على بعد حوالي 900 كلم جنوب طرابلس، من أكبر الحقول النفطية في ليبيا وينتج كحد أقصى 315 ألف برميل يومياً، من أصل أكثر من 1.2 مليون برميل في اليوم، مقابل 1.5 إلى 1.6 مليون قبل عام 2011. وتدير حقل الشرارة شركة “أكاكوس” التابعة لمؤسسة النفط الليبية وشركات أجنبية هي ريبسول الإسبانية وتوتال الفرنسية و”أو إم في” النمساوية و”ستات أويل” النروجية.
أما حقل الفيل الواقع في منطقة حوض مرزق الغنية بالنفط، فيقع على مسافة 750 كلم جنوب غرب طرابلس. وتدير المؤسسة الوطنية للنفط الحقل البالغ إنتاجه 70 ألف برميل يوميا بالشراكة مع شركة “إيني” الإيطالية.
وقد نددت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا والسفارة الاميركية، بإغلاق الحقلين النفطيين، ودعتا إلى استئناف الإنتاج فيهما. وأكدت ستيفاني ويليامز المبعوثة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا وجوب رفع ما أسمته “الحصار النفطي” في البلاد، الأمر الذي أيده السفير الاميركي في طرابلس ريتشارد نورلاند مطالبا بالرفع “الفوري” للحصار.
وبعد يومين من الإغلاق، أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا رفع حالة “القوة القاهرة” عن الحقلين، وأكدت فتح الصمامات الواقعة في منطقة الرياينة على خط الشرارة – الزاوية وبدء الضخ الخام، فيما لم يفتح صمام الفيل بسبب التخريب الذي تعرض له. وقد تسببت عملية الإغلاق لمدة يومين في خسائر وصلت إلى نحو ثلث إنتاج النفط اليومي للبلاد.
أزمة قد تؤثر على مجرى الصراع في ليبيا
يؤكد الخبراء في مجال الطاقة أن عيون الكثير من البلدان التي ستنفذ العقوبات المفروضة على روسيا، باتت مصوبة بشكل أكثر إلحاحا نحو النفط الليبي. وقد استبق وزير النفط والغاز في ليبيا محمد عون هذا الأمر بالتأكيد أن بلاده ليست قادرة على إنتاج الغاز الكافي لسد الخصاص المتوقع لدى دول أوربية، بسبب الحرب في أوكرانيا، وبرر ذلك بعدم امتلاك ليبيا احتياطيا كافيا، علما أن ليبيا قامت مؤخرا بتعديل اتفاقها مع إيطاليا لتخفيض كميات الغاز التي تلتزم بتصديرها لها بسبب ارتفاع الحاجة إلى الطاقة داخل البلاد.
إلا أن تلك التصريحات لم تثن الدول المحتاجة إلى مصادر الطاقة من السعي نحو استيراد الغاز الليبي بكميات أكبر رغم أنها تواجَه بتحد النزاع المسلح الدائر في البلاد، والذي يؤدي إلى عرقلة عمليات الإنتاج عبر سيطرة جماعات مسلحة على آبار أو قيامها بهجوم عليها. ويؤكد أشرف العيادي الخبير الاقتصادي ورئيس مكتب ألتافو بارتنرز للاستشارات أنه لكي تعوض ليبيا جزءا من الغاز الذي كانت روسيا توفره للعديد من الدول الأوروبية، من الضروري أن يعرف هذا البلد حدا أدنى من الاستقرار السياسي لإعادة رفع مستويات الإنتاج والحفاظ على وتيرتها. ويؤكد العيادي أن هذا يبقى أمرا صعب المنال على المدى القصير على الأقل.
من جهته، رجح رمضان أبو جزر، مدير مركز بروكسيل للدراسات، أن تدفع الوضعية الحالية الدول الغربية إلى التوجه نحو ليبيا والتعامل مع الصراع الدائر فيها بطريقة أكثر جرأة وسرعة وفعالية. وتوقع أبو جزر أن تقوم دول غربية، قريبا، بإجراءات إما لفرض نوع من الاستقرار في ليبيا بما يخدم وصول إمدادات الغاز الليبية إلى أوروبا لتعويض نقص الغاز الروسي، وإما أن يفرض الغرب مناطق آمنة لإيصال هذا الغاز بمعزل عن الحل السياسي في ليبيا وترك أطراف الصراع في ليبيا “يتصارعون على اللا غنائم”. علما أن جزءا هاما من إمدادات الغاز الليبي نحو أوربا يمر عبر “خط أنابيب الدفق الأخضر”، الذي يبلغ طوله 520 ، ويربط الأراضي الليبية بنظيرتها الإيطالية مرورا بالبحر الأبيض المتوسط، ويعد ثمرة مشروع مسترك بين شركة الطاقة الإيطالية “إني” والمؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا ويعمل منذ عام 2007.
لكن المحلل السياسي مناف الكيلاني يعتبر أن التوجه الغربي نحو ليبيا لسد الخصاص من الغاز، سيكون مؤطرا أيضا بحضور روسي في الملف الليبي. وأكد الكيلاني أن بوتين لن يخطو نحو الوراء في هذا الملف بعدما ترك المجال للحلف الأطلسي كي يقصف ليلبيا ويطيح بنظام معمر القذافي ويترك البلاد تغرق في الفوضى، لكنه اليوم أصبح لاعبا أساسيا في الملف الليبي وبالتالي سيصعب الحديث عن استغلال لثروات ليبيا دون استحضار الدور الذي قد تلعبه روسيا في هذا الملف.