Skip to main content

اقتصاد المعرفة.. تحولات السلع وتحديات العصر

|
economic

بقلم محمد علواني

يتماشى اقتصاد المعرفة مع ما نشهده من تحولات بنيوية في هذا العصر، ذاكم العصر الذي اختلف الباحثون والمتخصصون في توصيفه، فمنهم من قال إنه عصر ما بعد الحداثة، وثمة من قال إنه عصر الحداثة المتأخرة أو الحداثة الفائقة، أو عصر ما بعد الصناعي.. إلخ.
غير أن أقرب توصيف لهذا العصر هو عصر السيولة، وهو ذاك الوصف الذي أتى به عالم الاجتماع الراحل زيجمونت باومان؛ والسيولة هي مشروعه الأساسي الذي تمحورت حوله كل مؤلفاته.
لكن ما الرابط بين اقتصاد المعرفة ومجتمع السيولة؟ الحق أنه يمكن فهم هذه الآصرة من خلال تلك الأطروحة الرائجة التي قدمها قبل بضعة عقود الفيلسوف الفرنسي والتي اختصرها على النحو التالي: «المعرفة قوة».
فإذا كانت المعرفة قوة وسلطة، وإذا كان من يملك المعرفة يملك كل شيء، وطالما أن ثمة تحولًا بنيويًا على صعيد السلع ذاته وهي مسألة سوف نبسط القول فيها بعد قليل فلا شك أن اقتصاد المعرفة هو النموذج الأنسب لهذا العصر.


جينالوجيا المصطلح

لا يتسع المقام هنا لاستقصاء الجذور الفلسفية الكامنة وراء مفهوم اقتصاد المعرفة، كما ليس من المستطاع في هذا المقام إجراء نوع من التحقيب الزمني لهذا المصطلح وتطوراته، وإنما يمكن القول إن اقتصاد المعرفة قد شاع كمصطلح عن طريق مستشار إدارة الأعمال الشهير بيتر دراكر.

وذلك عندما تطرق إليه أول مرة في كتابه الصادر عام 1966 “المدير التنفيذي الفعال”، ثم بعد ذلك في كتابه الصادر عام 1969 “عصر الانقطاع”، وغني عن البيان أن دراكر كان سابقًا على عصره؛ حيث انتبه إلى أهمية التركيز على المعرفة، المهارات، وتحليل البيانات، والأداء القابل للقياس، والإدارة الاستراتيجية بالأهداف (MBO).

لكن هناك بُعدًا جغرافيًا في مصطلح اقتصاد المعرفة؛ إذ يمكن القول إن الاعتماد على المعرفة سمة البلاد المتقدمة، أما البلاد النامية فاقتصادها قائم على الزراعة والتصنيع وما إلى ذلك. ومن ثم يكون تقدم العالم وتطوره رهن بالمعرفة وتطورها، والقدرة على استخدامها، وتجنيدها لصالح المجتمع/ العالم بشكل عام.

ما هو اقتصاد المعرفة؟

يُعرّف اقتصاد المعرفة بأنه نظام استهلاك وإنتاج يقوم على رأس المال الفكري على وجه الخصوص، كما يشير في الوقت ذاته إلى القدرة على الاستفادة من الاكتشافات العلمية والبحوث الأكاديمية والتطبيقية.
ويركز اقتصاد المعرفة على الأهمية الأساسية لرأس المال البشري في اقتصاد القرن الحادي والعشرين، ويؤدي التوسع السريع في المعرفة والاعتماد المتزايد على الحوسبة وتحليلات البيانات الضخمة والأتمتة إلى تغيير اقتصاد العالم المتقدم إلى اقتصاد أكثر اعتمادًا على رأس المال الفكري والمهارات، وأقل اعتمادًا على عملية الإنتاج.
ويتميز اقتصاد المعرفة بوجود نسبة أعلى من الموظفين ذوي المهارات العالية الذين تتطلب وظائفهم معرفة أو مهارات خاصة، وذلك على عكس الماضي، عندما كان الاقتصاد يعتمد بشكل كبير على وظائف العمالة غير الماهرة، ويتألف بشكل أساسي من إنتاج سلع مادية، فاقتصاد المعرفة الحديث يتكون من المزيد من صناعات الخدمات والوظائف التي تتطلب التفكير وتحليل البيانات.
وعلاوة على ما فات فإن اقتصاد المعرفة يدعم الابتكار والبحث والتقدم التكنولوجي السريع ويغذيه، فضلًا عن أن الغالبية العظمى من العاملين في اقتصاد المعرفة لديهم معرفة جيدة بالحاسوب ومهارات في إنشاء نماذج الأعمال والمالية، كما نجد لدى الدول والمجتمعات التي تهتم بهذا النوع من الاقتصاد تركيزًا متزايدًا على جمع البيانات وتحليلها، وتطوير الخوارزميات والذكاء الاصطناعي (AI).

تحولات السلع

وثمة ظاهرة بارزة في الاقتصاد المعرفي وهي تلك المتعلقة بوجود تحول جذري على ماهية السلع في حد ذاتها، فالمعرفة نفسها صارت سلعة، وتلك هي السمة الأبرز في هذا النموذج الاقتصادي البعد حداثي.
ففي اقتصاد المعرفة يتم تحويل الابتكار القائم على البحث إلى سلعة عبر براءات الاختراع وأشكال أخرى من الملكية الفكرية، كما أننا في عصر المعلومات نشهد تحرك الاقتصاد العالمي أكثر نحو اقتصاد المعرفة.
وفي هذا الاقتصاد المعرفي تتم محاولة البحث عن الطرق التي يمكن من خلالها أن يعمل رأس المال البشري كأصل إنتاجي أو منتج تجاري يتم بيعه وتصديره؛ لتحقيق أرباح للأفراد والشركات والاقتصاد.
يعتمد هذا المكون من الاقتصاد بشكل كبير على القدرات الفكرية بدلًا من الموارد الطبيعية أو المساهمات المادية. ففي اقتصاد المعرفة تعمل المنتجات والخدمات القائمة على الخبرة الفكرية على تطوير المجالات التقنية والعلمية، وتشجيع الابتكار في الاقتصاد ككل.