بتكوين .. نقود من المستقبل أم فقاعة ستفجر الإقتصاد بأكمله؟
نكاد نجزم أنه لا يوجد أحد لم يسمع بعد عن هذه العملة الغريبة, فعلى مدار قرابة العقد من إطلاقها من اليابان (تحديداً عام 2009) كانت لا تساوي شيئاَ والمعتوه من يدفع المال مقابل إقتنائه حفنة من هذه الأموال الوهمية, ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن فقد بدأ تداول هذه العملة واتساع رقعة التعامل بها وتداولها تدريجياً وبدأ معها سباق سعرها المجنون من 10 بتكوين تساوي 1 دولار إلى 1 بتكوين يساوي قرابة الـ 20 ألف دولار! ومازال منحنى سعر هذه العملة يتجه إلى الأعلى كأنه ذاهب بلا نهاية (نظرياً).
قبل أن نستطرد الحديث عنها, دعونا في البداية أن نعرف أولاً ماهي بتكوين هذه؟ وما حكايتها؟ ومن أين تأتي قيمتها وقوتها الشرائية؟ وما الذي أكسبها هذه القوة السعرية المجنونة؟
في البداية, فإن نجم ولادة هذه العملة قد بدأ بالبزوغ في عام 2008 (في خلال أعوام أزمة الرهن العقاري آنذاك) وصاحب فكرة هذا المشروع كان شخص ذو إسم مستعار يدعى ساتوشي ناكاموتو الذي طرح فكرة بيتكوين للمرة الأولى في ورقة بحثية في عام 2008 ووصفها بأنها نظام نقدي إلكتروني يعتمد في التعاملات المالية على مبدأ Peer-To-Peer أي الند للند (وهو مصطلح تقني يعني التعامل المباشر بين مستخدم وآخر دون وجود وسيط آخر من خلال فقط شبكة تربط بينهم سواء الإنترنت أو أي شبكة محلية), وحسب ما ذكره القائمون على مشروع بتكوين فإن الهدف الأساسي والرئيسي لنشأة وظهور هذه العملة كان تغيير الإقتصاد العالمي بنفس الطريقة التي غيرت بها الويب أساليب النشر.
تُعرف أيضاً هذه العملة بالعملة المشفرة (CryptoCurrency) ويُقصد بذلك أنها تعتمد بشكل أساسي على مبادئ التشفير في جميع جوانبها كما أنها تُعتبر أيضا العُملة الأولى من نوعها والأكثر شهرة وانتشاراً لكن رغم ذلك ليست العُملة التشفيرية الوحيدة الموجودة على شبكة الإنترنت حالياً حيث يتوفر ما يزيد عن 60 عُملة تشفيرية مُختلفة منها 6 عُملات يُمكن وصفها بالرئيسية وذلك اعتمادًا على عدد المُستخدمين وبنية كل شبكة إضافة إلى الأماكن التي يُمكن استبدال وشراء هذه العُملات التشفيرية مُقابل عُملات أخرى.
جميع العُملات التشفيرية الحالية مبنية على مبدأ عمل عُملة بيتكوين نفسها باستثناء عُملة Ripple وبما أن عُملة بيتكوين مفتوحة المصدر فإنه من المُمكن استنساخها وإدخال بعض التعديلات عليها ومن ثم إطلاق عُملة جديدة.
لعل أكثر ما يميز العملات الإلكترونية (بتكوين موضوع مقالتنا الحالي) هو أن هذه العملة كسرت منطق وثوابت قوانين الإقتصاد, فكلنا نعلم أنه لكل دولة بنك مركزي خاص بها يشرف على إصدار العملة الوطنية وتحديد قيمتها ومراقبة آلية العرض والطلب والتدخل وتحديد أسعار الصرف وأسعار العملات الأجنبية مقابلها وتبادل الأموال بين الناس, أما بتكوين فلا يوجد أي جهة رسمية حكومية تشرف على توليد هذه العملة وعرضها للبيع رسمياً بل العرض والطلب هما الوحيدين الذين يحددان قيمتها, أي إن جل قيمتها يأتي من ثقة المتداولين بها والطلب عليها.
وهنا يكمن السؤال الجوهري لفهم هذه العملة فعلاً: ما الذي سيجعل الناس والمتداولين يثقون ويطلبون هذه العملة ويشترونها ويضاربون على بورصتها؟ أي إننا كأفراد ما الذي يدفعنا للقيام بذلك؟
لعل الشيء الجوهري في هذه العملة هو سريتها المطلقة وبسبب عدم وجود بنك مركزي يدير هذه العملة فمن المستحيل تعقب تداول هذه العملة من يد ليد ثانية, فلا يوجد لهذه العملة أي قوائم مالية أو جداول تدفقات مالية أو ميزان مراجعة أو حساب الأرباح والخسائر (والذي يسمى أحياناً بحساب الإستثمار), لا شيء على الإطلاق! فبمجرد شرائك لهذه العملة فأنت تمتلك عملة لا يمكن تعقبها في أي كيان مركزي مالي, وكل ما في الأمر أنه سيكون لك مفتاح سري يثبت ملكيتك لهذه الكمية من العملة الرقمية ويمكنك به شراء ما تريد في المواقع والمتاجر التي تقبل التعامل بها.
وكتحليل شخصي يمكن لنا أن يفسر هذه الهجمة الجنونية نحو هذه العملة العمياء الصماء هو الهاكرز, نعم الهاكرز هم كانوا البداية في رواج هذه العملة! كيف ذلك؟
لم نزل ننسَ الهجمة الإلكترونية الأشرس في تاريخ الإنترنت في أيار — مايو الماضي على الحواسيب في مختلف القطاعات في العالم (فيروس الفدية WannaCry) فكان المتضرر منها الأجهزة الحكومية والمؤسسات والشركات والبنوك والمستشفيات والأشخاص, وطبعاً الهاكرز كانوا يقبلون العملة الإلكترونية بتكوين كوسيط مالي إلكتروني لشراء مفتاح تشفير ملفات حواسيبهم.
قد يبدو للوهلة الأولى أن هذا الحدث سيمر مرور الكرام دون أي تأثير على هذه العملة, فلقد كانت بتكوين تنمو بشكل لا يأبه به العالم حتى, اللهم إلا المخضرمين في عالم الإنترنت والبرمجة كانوا فقط يعرفونها, لكن مع إستغلال فكرة هذه العملة أنها معماة ولا يمكن تعقبها فأصبحت عملة مفيدة لعمليات غسيل الأموال وإنتقالها بشكل غير شرعي وتمويل الإرهاب.
كون عملة بتكوين عملة لا مركزية ذات مجهولية, فإن عملية التحويل عبرها يتطلب فقط معرفة رقم محفظة الشخص المحول إليه ولا يتضمن هذا اسم المرسل او المتلقي او اي بيانات اخرى خاصة بهما، مما يجعل منها فكرة رائجة لدى كل من المدافعين عن الخصوصية، أو بائعي البضائع غير المشروعة (مثل المخدرات) عبر الإنترنت على حد سواء.حيث تذهب النقود من حساب مستخدم إلى آخر بشكل فوري ودون وجود أي رسوم تحويل (باستثناء رسوم الشبكة التي تدفع للمعدنين) ودون المرور عبر أي مصارف أو أي جهات وسيطة من أي نوع كان.
وللعودة إلى السؤال المهم: كيف يمكننا الحصول على بتكوين؟ أو أولاً: كيف يتم توليد بتكوين؟
بالإبتعاد عن الحديث والشروحات البرمجية حول هذا الأمر, يمكننا القول بأن توليد وإنشاء بتكوين في نهاية الأمر هو عندما يتم حل معادلات رياضية معقدة تتم مكافأتك, فالفكرة الجوهرية والرئيسية هي أن هذه العملة تمتلك سجلاً عاماً يتم توثيق إنتقال ملكيتها منذ لحظة إنشائها وحتى وصولها إليك وكلما كان السجل ضخماً كان الوقت أكثر ومعدات التعدين (المعالج وكرت الشاشة وتجهيزات الحواسيب) تهتلك بسرعة كبيرة بالإضافة إلى إستهلاك الكهرباء المرتفع عندما تعمل المعالجات في الحواسيب بحل معادلات في غاية التعقيد. هذه المعادلات ما هي إلا عمليات رياضية تقوم بتوثيق والتحقق من صحة سجلات التداول لكل عملة والمعالج الأقوى يمكنه حل المعادلات بشكل أسرع وله حظ في أن يحصل على بتكوين أسرع من غيره.
هذه المقالة إقتباس من ويكيبيديا