ما المقصود بالركود التضخمي وما هي تداعياته وطرق التعاطي معه وهل ليبيا تعاني منه اليوم ؟
كتب المهتم بالشأن الاقتصادي نور الدين حبارات مقالًا قال فيه:
الركود التضخمي أو ما يعرف ب Stagflation هو ذلك الوضعية أو الحالة التي يمر بها الاقتصاد والتي عادةً ما تتصف بتباطؤ النمو الاقتصادي أي إنخفاض ملحوظ في الناتج المحلي الإجمالي وفي النشاط التجاري لفترة زمنية معينة يرافقه إرتفاع في معدلات التضخم .
وهذه الحالة أشبه بالخمول للنشاط الاقتصادي حيث تقل عمليات البيع والشراء خاصة في قطاعات التجزئة مما سيترتب عنه تكدس السلع وعدم قدرة الشركات على تسويق منتجاتها وخدماتها فتنخفض إيراداتها وأرباحها ومن ثمة تضطر لتقليل العمالة عبر تسريحها Laying off وتقليل حجم إنتاجها بهدف تغطية النفقات التشغيلية للحد من خسائرها ما سيؤدي ذلك إلى إنخفاض في دخل الأفراد وقدراتهم الشرائية ومدخراتهم وإلى إرتفاع كبير في معدلات البطالة .
ومن أهم أسباب هذا النوع من الركود إنخفاض الطاقة الإنتاجية للدول بسبب ظروف إستثنائية أو غير إعتيادية كالكوارث الطبيعية وتفشي وانتشار الأوبئة والحروب أي كالأحداث التي شهدها العالم خلال العام 2020 م بسبب كورونا والأحداث التي يشهدها اليوم بسبب الحرب الروسية الأوكرانية وسياسة الإغلاقات في الصين بسبب كورونا أيضاً ما تضطر معه الحكومات للتمويل بالعجز لتغطية العجز في الميزانية العامة دون غطاء ما سيفضي إلى إرتفاع في حجم المعروض النقدي والاقتراض وهذا ما يؤدي إلى إرتفاع في تكاليف المواد الاساسية والإنتاج وتراجع الأرباح .
العلاج أو التعاطي مع الركود التضخمي صعب لإنه يتطلب ضرورة الموائمة بين الضخم والبطالة أو التضحية بالنمو الاقتصادي بهدف التغلب على التضخم .
وهذا في الواقع عادةً ما يتم من خلال رفع المصارف المركزية لأسعار الفائدة بهدف إمتصاص جزء من الكتلة النقدية أو المعروض النقدي ما يعني إرتفاع في كلفة الإقتراض وهذا يؤدي إلى إنخفاض الطلب على السلع والخدمات ما يضطر معه أصحاب الشركات وأرباب العمل إلى تسريح جزء من العمالة .
أو قد تلجأ المصارف المركزية لخفض أسعار الفائدة بهدف تخفيض معدلات البطالة حيث يحفز هذا الإجراء المستثمرين على الإقتراض والاستثمار والتوظيف لكن هذا سيؤدي إلى إرتفاع الأجور التي تؤدي بدورها إلى إرتفاع في تكلفة السلع والمنتجات ومن ثم إرتفاع أسعارها .
البنك الدولي مؤخراً توقع إنخفاض في معدلات النمو الاقتصادي العالمي من %5.7 خلال العام 2021 م إلى %2.9 للعام الحالي 2022 م و ذلك جراء تداعيات الحرب الروسية الاوكرانية وسياسة الإغلاقات في الصين بسبب كورونا .
في حين توقع البنك إرتفاع معدلات النمو الاقتصادي لدول الخليج للعام الحالي 2022 م بنسبة %5.9 وهي نسبة معتبرة ويعزو ذلك إلى إنحسار وباء كورونا والطفرة النفطية التي تشهدها الأسواق العالمية .
ليبيا كانت من الممكن أن تشهد أيضاً إرتفاع في معدلات النمو الاقتصادي لهذا العام مدفوعاً بارتفاعات أسعار النفط .
لكن تأزم المشهد السياسي وتوقف إنتاج وتصدير النفط وتأخر إعتماد الميزانية العامة من ناحية مع إرتفاع أسعار الغداء العالمي جراء تعطل الإمدادات وتزايد تكلفة الشحن العالمي إلى جانب نقص السيولة وتأكل القدرة الشرائية لدخول مرتبات المواطنين ومدخراتهم خاصةً خلال شهر رمضان المبارك وعيد الفطر مع إستعدادهم حالياً لعيد الأضحى المبارك وغيرها من عوامل أدت إلى خمول ملحوظ في النشاط التجاري وتراجع عمليات البيع والشراء لقطاع التجزئة وانزلاق الاقتصاد إلى مستنقع الركود التضخمي .
فكما هو معروف ذوي محدودي ومتوسطي الدخول هم القوة الاستهلاكية الكُبرى في السوق فاعدادهم ليس بالمئات أو بالآلاف بل بملايين الأشخاص وميولهم للاستهلاك كبير جداً لا يقارن بميول الطبقات المرفهة .
ومن المؤسف أيضاً إنه لا توجد حالياً وسائل أو أدوات ممكنة لا الحكومة ولا للمركزي التعاطي مع هذا النوع من الركود .